-->

الاثنين، 6 مارس 2017

روائيون وروايات 2 - منصور الصويم

روائيون وروايات 2
منصور الصويم

*في رواية "المجالس"، يفترع عبدالماجد عليش خطا جديدا في الكتابة الروائية، غير مطروق من قبله، ولم يتجرأ أحد حتى الآن للمضي على نسقه. الرواية، صغيرة الحجم، مزجت بين التوثيق المجتمعي "الحقائق"، والتخييل الروائي، وتناولت في ذكاء أكثر القضايا الاجتماعية حساسية، التي يمكن عن طريق تناولها رصد أهم التحولات المجتمعية والسياسية التي ضربت المجتمع السوداني خلال نصف قرن من الزمان, الرواية اعتمدت بشكل أساسي على توثيق الأخبار المنشورة في ما يعرف بالصحف الاجتماعية، المعروفة بميلها إلى الإثارة ونشر الأخبار الفضائحية والغريب والملفت من حوادث. وثق الكاتب في هذه الرواية تاريخا اجتماعيا كاملا عبره السودان أو عبر من خلالها، تفككت خلاله البني الاجتماعية القديمة وحلت محلها بنى جديدة. هذه رواية أخرى تشكل لمفردها تيارا سرديا جديدا في الكتابة السودانية.
*في رواية "الجنقو مسامير الأرض"، تخلص الكاتب عبدالعزيز بركة ساكن من كافة القيود الرقابية المسبقة التي يمكن أن تتحكم في موقف الكاتب من الكتابة أثناء وقبل وحتى بعد التدوين. فهذه الرواية كتبت بواقعية تصل إلى درجة التعرية الكاملة لسمات وصفات وسلبيات الشريحة المجتمعية التي تتناولها، لم تتنازل – الكتابة – هنا عن موقفها في العرض والتقديم والمساءلة والنقد، كشفت كل شيء أمام الجميع وللجميع: الجنس، الدين، الجشع، الاسترقاق المقنع، التعالي الثقافي، التمييز العرقي، الصعود المنحرف للنخب السياسية السودانية. الرواية نالت جائزة الطيب صالح "مركز عبدالكريم ميرغني" باستحقاق وترجمت إلى اللغة الإنجليزية، ووضعت كاتبها في مواجهات مستمرة منذ صدورها وحتى هذه اللحظة.
*تناول الروائي عمر الصائم، قضايا التاريخ والهوية السودانيين من منظور مختلف في روايته "مارخدر"، التي يشير عنوانها المركب إلى الأسئلة التي تثيرها الرواية المتعلقة بالدين واللون وإمكانية التعاييش السوداني، فاسم مار يحيل إلى الديانة المسيحية واسم خدر إلى الديانة الإسلامية، وتتداخل الهويتان الدينيتان في هذا العمل غوصا في التاريخ السوداني القديم "كوش، مروي، سوبا" صعودا حتى هذه اللحظة المفصلية من حالة الوجود السوداني المهدد بصراع الهويات وتنازع الثقافات. الرواية سبر ثقافي دقيق في كينونة الشخصية السودانية، ومغامرة سردية متفردة من حيث موضوعها "الهوية، التاريخ، الصراع.." وتقنيتها "تعدد الأصوات"، ولغتها الناصعة المدونة باهتمام كبير. هذه رواية أخرى تزدحم بالأسئلة المتضادة، تطرح (نقديا) أسئلتها، تخاطب عقل القارئ وتنشبك معه.
ومرة أخرى، أقول إن هذا مجرد مرور قرائي سريع على عدد من الأعمال الروائية السودانية، أرى أنها أضافت بعدا جديدا لمسيرة السرد في السودان، كما أنها تطرح سؤالا يتعلق بـ "هل يسد هؤلاء الكتاب غياب المفكرين السودانيين وانعدامهم"؟.. بالنسبة لي الإجابة، نعم! يفتح الروائيون بصيرتهم لتناول ماهو من صميم عمل المفكرين والفلاسفة، ويضبطون سيولة هذه الحياة بتعبير (زيجمونت باومان).
يتبع    

  

ليست هناك تعليقات

كافة الحقوق محفوظةلـ مدونة منصور الصويم 2016 | تصميم : رضا العبادي